Sunday, April 19, 2009

بارنبويم والتطبيع
أذهلتني كثيرا ردود أفعال النخبة من المثقفين والفنانين الذين روجوا لمجئ دانيال بارنبويم الى مصر للعزف في دار الأوبرا المصرية على ان هذه الزيارة ليست شكلا من أشكال التطبيع مع اسرائيل نظرا لأن بارنبويم يحمل بالاضافة الى جواز سفره الاسرائيلي جوازا آخر فلسطينيا. فاذا كان هذا الحديث مقبولا ممن يدعون الى التطبيع ويروجون له حيث يظهر كموقف يتسق مع أفكارهم وما يدعون اليه الا أنه بالتأكيد لا يتسق مع من يقفون ضد التطبيع أو على الأقل هذا ما يعلنوه على الملأ.
وما ادهشني أكثر دفاع البعض عن هذا الحدث بأن بارنبويم "اسرائيلي متعاطف مع القضية الفلسطينية" والترويج الاعلامي لكلمته التي قال فيها: "أشعر بالغثيان كل يوم عندما أستيقظ لأنني أجد أن هناك أراضي فلسطينية مازالت محتلة من قبل القوات الاسرائيلية..." بالطبع هو لا يقصد الأراضي الفلسطينية ما قبل 1948 فمصطلح "الأراضي المحتلة" يقصد به الأراضي التي احتلت بعد 67 أما ما قبل ذلك منذ 48 حتى 67 فقد أصبح أمرا واقعا يذكرني بما كان يحدث في العصور الوسطى قبل ظهور القوميات في العالم حيث كان الأقوى له السيادة على الأضعف وله حق ترسيم حدوده كيفما يشاء دون أن يحق لأحد بأن يسأله عما يفعل.
وربما انطلاقا من منطق القوة ذاتهرأي بعض المثقفين الذين حضروا الحفل " نريد من اسرائيل أن تقدم لنا ما قدمه بارنبويم بدلا من أن تقدم لنا قنابل فسفورية" اذا فهذا هو الثمن الذي يعرضه المثقفون- الذين كانوا يرفضون أي شكل من أشكال التطبيع من قبل- لكي تقبل اسرائيل حل الدولتين قاذفين تاريخا مليئا بالانتهاكات ضد العرب وليس فقط الفلسطينيين لأكثر من ستين عاما وذلك لأننا "اذا لم نعد قادرين على التفرقة بين ليبرمان ونيتانياهو واتباعهما من ناحية وبين فنان مثل دانيال بارنبويم من ناحية أخرى اذا هذا يعني اننا نعاني أزمة يجب ان ننتبه إليها جيدا.. لماذا نهاجم وجوده بيننا؟ لماذا نرفض الاستمتاع بفن كالذي قدمه؟" !!!
وهو ما يدعوني للتساؤل عن هدفهم من الدعوة الى رفض كل أشكال التطبيع مع اسرائيل وعلى أي اساس تقوم هذه الدعوة هل أساسها هو رفض قيام دولة اسرائيل كدولة عنصرية دينية محتلة لأراضي عربية؟ أم رفض لاعتداءاتها الموسمية على الفلسطينيين وانتهاكها لحقوق الانسان في "الأراضي المحتلة"؟
واذا كانت الدعوة الى رفض التطبيع مرتبطة باعتداءات "موسمية" اسرائيلية فالدعوة اذا موسمية يروج لها لأهداف سياسية للضغط على اسرائيل أو بمعنى أصح للضغط على الرأي العام الدولي أو أصحاب المصالح الاقتصادية الذين يتضررون من دعوات المقاطعة خاصة الاقتصادية ، وذلك لكي تخفف اسرائيل من وحشيتها قليلا وكأنك تقول للقاتل: "لوأنك تقتل أسرع .. تكن أرحم" دون أي اساس فكري تنطلق منه هذه الدعوات كموقف من "الصهيونية" مثلا المتجسده بشكل واقعي في الكيان الاسرائيلي – رغم وجودها في كل مكان بالعالم الآن- وعلى هذا الأساس يكن كل مؤمن بالصهيونية داخل نطاق المقاطعة لكن ذلك بالطبع لن يتأتى مع مصالح البعض فهناك صهاينه مصريون وصهاينة عرب قبل ان نتحدث عن اي مكان آخر بالعالم.
لكني لا اراه متسقا مع ذاته من يعادي الاخوان المسلمين وغيرهم ممن لديهم مشروعات أمميه تقوم على أساس ديني أو فئوي ما ، ثم لا يجد غضاضة في المشروع الصهيوني ويرى أن قبول الحل الوسط "سياسة" وان "السياسة" فن ادراك الممكن وان ما لا يدرك كله لا يترك كله!!
وما أحزنني أكثر ما يراه البعض من النخبة بقول : "لماذا نشغل بالنا بجنسيته وما اذا كان اسرائيليا أم لا؟!" فالموضوع كله لا يمثل شيئا بالنسبة اليهم في حين التحف الجميع بالكوفية الفلسطينية في فترة الاعتداءات الاسرائيلية عليها دون أي وعي بالقضية وابعادها المختلفة.