Wednesday, August 22, 2012

حينما تصبح معظم الخيارات غير متاحة



كثيرات من النساء لا تتاح لهن معظم الخيارات.. في مجتمع عميق الثقافة الذكورية لا تستطيع المرأة ان تتخذ قرارا مصيريا وحدها .. ربما ايضا لا تملك الحق في التفكير منفرده.. 
عليك ان تفكر مائة مرة حين ترى الفتيات الريفيات قادمات للمدينة لتلقى قدرا "مسموحا" به من التعليم والتنوير، وعليك ان تفكر الف مرة اذا ما نظرت إلى القرويات القادمات للعاصمة لتلقي قدرا اكبر من التعليم، عليك ان تفكر ليس فقط في مستقبل هؤلاء الفتيات وانما ايضا في الماضي القادمات منه..
كثيرات في الريف يفقدن تدريجيا قدرتهن على اختيار مصائرهن أو حتى المشاركة في تشكيلها.. هكذا هو المجتمع القروي ذو الثقافة الذكورية ذات المسحة الوهابية..
(نعمة) طفلة في الخامسة عشر من العمر .. تخطو أولى خطواتها خارج قريتها الصغيرة بعد أن أنهت تعليمها الاساسي وحصلت على مجموع يتيح لها الالتحاق بالتعليم الثانوي، ونظرا لعدم وجود مدرسة ثانوي بقريتها اضطرت مع عدد قليل من زميلاتها الذهاب يوميا للمدينة للالتحاق بالمدرسة الثانوية بها..
كان تقديم اوراق التحاقها بالمدرسة بالنسبة لها يوما عظيما - بالطبع- لم تذهب بمفردها ولا بصحبة زميلاتها فقط، وانما اصطحبهن اقاربهن من "الرجال" الذاهبون لتقديم اوراقهم للمدرسة الثانوية للبنين والموجودة أيضا في نفس المدينة.. فالذهاب للمدينة ليس أمرا هينا رغم توفر المواصلات..
(نعمة) الطفلة الجميلة البريئة التي ترتدي الحجاب وينتظرها النقاب في نهاية الطريق مصحوبا بالزوج الذي خطبت إليه قبل عام واحد .. وهو ليس غريبا عليها فهو ابن عمتها.. كذلك النقاب ليس غريبا عليها لأن اهل ابيها اصبحوا جميعا حجاجا وشيوخا بمجرد قضائهم عدة أعوام في بلاد البترول عادوا بعدها بالمال .. و"الدعوة" ..
كانوا اول من يرتدى النقاب في قريتها واول من يدعوا له.. ارتدته امها طبقا للعادة: بان تلتزم المرأة بعادات منزل اهل زوجها.. وهكذا كانت عاداتهم..
وجعل هؤلاء "الدعاة" الجدد يطبقون افكارهم الضيقة عن الدين على كل من يوقعه القدر تحت وصايتهم او يضع نفسه تحت سيطرتهم .. فارتدت (نعمة) الحجاب منذ انهت المدرسة الابتدائية .. لكنها لم تستطع ان تمنع نفسها من ان تبدي اعجابها بقريبة لهافي نفس سنها كانت لا ترتدي الحجاب في فرح احدى قريباتهم.. قالت لها انها ايضا كانت تتمنى لو يسمح لها بان تظهر شعرها مثل بقية الفتيات في سنها.
(نعمة) التي لم يسمح لها باختيار توقيت ارتداء الحجاب .. لم تسأل عن ابن عمها الذي قرأوا فتحتها عليه -هتلاقي فين احسن منه -  في انتظار ان يمر العمر ليتم عقد القران والزواج.. لتلقى المصير المعد سلفا لها...
(نعمة) ليس امامها خيارات كثيرة في الحياة هي الان على اعتاب مرحلة جديدة .. لكنها لا تملك القدرة على "الحلم" ولا الحق فيه.. تسألها امها ما اذا كانت ترغب في دخول القسم العلمي ام الادبي .. فلا تستطيع الحكم.. هي لا تحب المواد العلمية.. ولا تدري ان كانت تحب المواد الادبية ام لا.. وعندما تفكر قليلا تخبرها انها تريد ان تكون صحفية.. لكن الام ترفض وبشده .. "دا ما ينفعناش" "انتي مخطوبة.. هتتجوزي وتتنقبي" فتغلق الباب امام احلامها مرة اخرى .. فتطلب من امها ان تساعدها في الاختيار.. لكنها ترفض مرة اخرى مدعية انه عليها هي ان تقرر ماذا تريد..
وياله من اختيار دون خيارات تذكر..