Sunday, June 17, 2012

انتخابات الرئاسة في مصر .. وأخطاء القوى الثورية



أنا ممن تثقلهم أحلامهم لكنهم لا يهجرونها أبدا..
أحيانا يملأني اليأس وانا ارى الثورة تُهزم ويتفرق دمها بين الجميع.. من أخطأ؟ ومن أصاب؟ لا أحد يدري..
الآن انتخابات الاعادة لرئاسة الجمهورية بين خيارين لا يمثلان الثورة بأي شكل من الأشكال..
ندفع اليوم ثمن جهل الشعب المصري .. ثمن انخفاض الوعي .. نحصد ثمار تعليم مضلل وإعلام فاسد.. وقوى سياسية امتطت مقاعد الهزيمة وارتكنت إلى وجودها في صفوف المعارضة ورضت بذلك دون أدنى احساس بالذنب تجاه هذا الوطن ..
ثورة بلا قيادة هي بالتأكيد ثورة فاشلة.. كان هذا هو أول الدروس المستفادة من انتفاضة 1977 – التي أطلق عليها السادات انتفاضة الحرامية - أنها لم تكن لها قيادة، الشعب انتفض دون قائد فاستطاع السادات الانقضاض عليها ..
ثورة يتصدرها "المحافظون" هي بالتأكيد ليست ثورة.. لم يُعرف في كتب التاريخ أن قام المحافظون بثورات؟!! أما لدينا فقد تصدروا مشهد الثورة..
الكثير من دعوي التوافق بين الأضداد أضاعت أحلام الثورة وأهدافها.. تم اختصار الثورة الآن في الحصول على حق الشهداء .. "شهداء الثورة" .. وكأننا انتفضنا كي يموتوا كي تصبح قضيتنا بعد ذلك الحصول على حقهم!! ولا مانع هنا من أن يتاجر بدمائهم سماسرة الوطن بين الحين والآخر ..
أما الأهداف الحقيقية التي خرج من أجلها هؤلاء الثوار – قبل أن يصبحوا شهداء -  فقد تراجعت أمام لوبي محافظ روج باستخدام آلياته الإعلامية : أن "الثورة قد نجحت" بمجرد تنحي مبارك، دون أن يقدم لنا هذا اللوبي دليلا حقيقيا وملموسا على نجاحها غير انتقال مبارك من قصر القبة إلى قصر شرم الشيخ! رغم أنها عند هذا الحد كانت قد أصبحت مجرد "انتفاضة" من أجل اصلاح نظام مبارك ومنع التوريث، رضي عنها العسكري ورضيت عنها امريكا وأمّنَتْها اسرائيل.
ومنذ ذلك الحين حمل لنا المحافظون سياط "التوافق" ليرهبوننا كلما أردنا استكمالها كـ"ثورة".. حملونا حملا إلى صناديق اقتراع تحت دعوى "الديمقراطية" .. وأننا انتفضنا من أجل تحقيق "الديمقراطية"، مغازلين أحلام الليبراليين الذين تصوروا للحظة ان الثورات قد تقوم للحصول على انتخابات نزيهة وفقط !!
ظللنا نردد "يسقط يسقط حكم العسكر" دون أن نملك بديلا يلتف حوله الناس، انسقنا إلى أجندة الاعلام المحافظ الذي جعل صندوق الانتخابات الشفاف وإقبال الناس عليه هو الحل لكل المشكلات، حتى عندما اوصل الصندوق القوى الرجعية لصدارة المشهد في مصر، ظل الترويج إلى كون الصندوق هو الحل!! ونسينا مقابل ذلك اهدف الثورة "عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية" التى جعلت الناس يلتفون حولها من البداية.
مل الجميع ميكافيلية النخبة المتصدرة للمشهد.. والتي أساءت لوعي الشعب المصري وأجبرته على أحد خيارين إما الانصياع لممارساتها السياسية اللاخلاقية أو أن ينسحب من المشهد.. فاختار الكثيرون الانسحاب من المشهد أو الرجوع للنظام السابق.. "اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش"..
خاصة مع العودة إلى نفس المشهد الذي كان سائدا في مصر قبل 25 يناير.. الصراع بين تيارين محافظين.. أحدهما يداعب أحلام الناس بالعودة للماضي الذي خبروه وخبروا أساليب التعامل معه، والتيار الآخر يمثل المجهول الذي يستمد رصيده لدى الناس من اللعب على نوازعهم الدينية واستغلال حاجاتهم التي أهملها عن عمد النظام السابق.
أصبح الناس امام الخيارين ، بعضهم يمني نفسه بأن عجلة الزمن لا ترجع إلى الخلف أبدا وبالتالي فإن نظم مبارك لو عاد فلن يكون كالسابق وانما أفضل منه.. وتناسوا هنا ان عجلة الزمن يمكن أن تجلب الأسوأ وليس معنى التحرك للأمام دائما أننا في اتجاه الأفضل..
والخيار الثاني هو القفز إلى المجهول في غياهب دولة الخلافة التي يسعى لاقامتها الاخوان المسلمون بكل ما تحمله هذه الفكرة من ضرب في الوجدان المصري العميق الذي عاش أزهي انتصاراته العسكرية والسياسية في ظل فكرتي المصرية والقومية العربية.
وكلا الخيارين لا يعبر بأي حال من الأحوال عن الأحلام والطموحات التي قامت علي أساسها انتفاضة 25 يناير التي لم تتحول إلى ثورة بعد.
ممثلو كلا الخيارين يسعون لاستخدام الثورة وخداع الناس بادعاء أنهم ممثلوها، وللأسف ينخدع الناس على كلا الطرفين.
أما التيار الثوري فلازال ضعيفا لا يملك الحركة على أرض الواقع نتيجة لسماحه طوال الوقت باختراقه من جانب المحافظين تحت دعاوى التوافقات والتواجد في الميدان خلال الـ 18 يوم الأولى (25 يناير – 11 فبراير) . وهو ما جعل هذا التيار يتخبط كثيرا مما أفقده تعاطف الشارع معه وثقته في قدرته على تقديم البديل الملائم لقيادة البلاد في هذه المرحلة.
وهو أيضا ما جعل هذا التيار يعتمد على المحافظين في الحشد فلم يطور قدراته على القيام بها منذ 11 فبراير حتى اليوم، وهو ما كان مقابله ان اصبح هذا التيار مضطرا إلى التنازل شيئا فشيئا عن مبادئه الثورية لصالح هذه القوى المحافظة، فبدا صوتا ضعيفا أمام صناديق الاقتراع عندما قال "لا" للاعلان الدستوري، وطالب بالدستور أولا، فعاد للمطالبة بانتخابات الرئاسة والدستور معا، ورغم أن قواعد اللعبة الانتخابية كانت معلنه سلفا إلا أن التيار الثوري لم يكن بالثبات على المبدأ الذي يجعله يرفض هذه القواعد ويقاطع الانتخابات ترشيحا وترشحا.. إلا انه لم يفعل ذلك .. فانضم إلى لعبة يعرف أنه الطرف الخاسر فيها حتى وان كان آداؤه فيها جيدا..
الآن على التيار الثورى أن ينقي صفوفه من المحافظين كي يستطيع قياس قوته الحقيقية، والتخطيط للمستقبل بشكل أفضل، لا يعتمد فيه على التوافقات واسترضاء قوي غير ثورية على حساب الثورة. فأيا كانت نتيجة هذه الانتخابات فحتى من شاركوا فيها بالتصويت لأحد المرشحين "مكرهين" باعتقدهم بأن أحدهما قد يحقق مصلحة الوطن، يعرفون جيدا انهم لا يمثلونهم ولا يمثلون ثورتهم، وبالتالي فان الجميع سيصب في خانة المعارضة مرة أخرى، لكن ستظل هذه المعارضة أيضا ليست كلها معارضة ثورية وهو ما سيتتطلب مزيد من الثبات على المبادئ والسعي لتحقيقها حتى تكتمل هذه الثورة.