Tuesday, January 29, 2013

عن الفقر والأخوة

عن الفقر والأخوة وأشياء كثيرة لا يستطيع المال أن يشتريها لكنه يستطيع ببساطة أن يفسدها، هذا المشهد المتكرر في كل بلداننا الفقيرة على اختلاف مواقعها على الخريطة يرويه (نصر بالحاج بالطيب) في روايته الرائعة (انكسار الظل) الصادرة في تونس عام 2012 تعددت الأوطان والفقر واحد والنفس البشرية واحدة.

يروي (نصر بالحاج بالطيب):

"مازال الطاهر ولد جليلة يسكن مع والديه وأعمامه وأولادهم حوش جدّه. كانت غرفة الجد هي البداية. بناها صاحبها في الخلاء في زمن لم يكن للمساحات قيمة تذكر، حين كان الناس شركاء في الكلأ والماء والمستقر. هرمت غرفة الجد كما هرمت غرفة للتي فاطنة بنت عمر. تكالب الزمن مستعينا بالريح والتراب وجحيم الهاجرة المتكرّر. أضاف أعمام الطاهر ولد جليلة غرفة أخرى كلما بلغ أحدهم أو أحد أولادهم سن الزواج. شغلت (الكمرة) التي بناها أحد أعمامه الناس سنين عديدة كما شغلتهم (المكسورة) التي بناها هو خلال هجرته إلى ليبيا. جمع الحوش باصطفاف غرفه مراحل الزمن ومراحل اليُسر المتعاقبة متّبعا بذلك أحوال أهله. قال والد الطاهر ولد جليلة يوما في مجلس الشيخ الجليدي: "استقل كل واحد منا بوعاء أكله منذ سنة واحدة بسبب نساء الأخوة ونساء الأولاد وأطفالهم. صغرت النفوس وكبر حب الذات فلم نجد بُدا من القسمة. عشنا منذ عرفت الدنيا نأكل من وعاء واحد تحت اشراف العجوز. حين توفيت والدتي رحمها الله تولت زوجتى السلطة لأنها أكبر النساء سنا. لم تكن واحدة من نساء إخوتي تلوي العصا في يد العجوز أو في يد زوجتي. لم يترك والدي أرزاقا يُعشش فيها الحقد وسواد القلوب. يختلف الإخوة الأغنياء، أما الأخوة العُراة فليس لهم من الإرث إلا الذكرى. متى اقتتل الناس من أجل الظفر بنصيب من الذكرى؟ . الذكرى إذا هطلت غيث يروي الناس جميعا أما الرزق فقطرة عسل يخفيها اللسان على الشفتين، كأن الفقر شرط أساسي لدوام الحب والنبل وسعة الصدر. لا يفرق بين الأخوة إلا النساء والرزق. لا حكم اليوم إلا لمؤدب الليل الذي يقلب الموازين ويُغير مواقف الرجال. تمحو دروس الليل كلّ ما قيل في النهار""

No comments: